الصين في إفريقيا المصلحة فوق أي اعتبارات حقوقية وإنسانية
الصين في إفريقيا المصلحة فوق أي اعتبارات حقوقية وإنسانية
باسم ثروت
حين تذكر الصين تحتار الأذهان، فماذا نكتٌب عن الصين وهي في كل شيء وفي كل ركن من أركان هذا الكوكب الصغير، بل إنها خرجت أيضاً نحو الفضاء، فهي كما يطلق عليها التنين الصيني الذي يجتاح بقاع الأرض بجناحيه الكبيرين يثور ويجول بحثاً عن موطئ قدم هنا وهناك.
أدرك التنين الصيني مدى قوته فحتى يبقى قوياً مهيمناً عليه بأمرين القوة الاقتصادية تنبثق عنها قوة عسكرية جرارة لحمايتها، وليكون هكذا كذلك على التنين أن يبقي عجلة الإنتاج في حالة دوران مستمر فإذا وقفت أو ضعفت إحد الركيزتين كالاقتصاد ضعف التنين.
ونتيجة لذلك أدركت الصين أن عجلة الاقتصاد يلزمها ما يجعلها تدور دائماً مثل المواد الخام للتصنيع ومصادر للطاقة، لكن أين يمكن أن تجد الصين مواد خام بأسعار زهيدة سهلة النقل وبكميات غير محدودة؟
وجدت الصين كغيرها من الدول العظمي ضالتها في إفريقيا القارة الأشد فقراً والمليئة بالصراعات والنزاعات الإثنية والعرقية وفي نفس الوقت لديها كنوز غير مستغلة، مواد خام وفيرة، مصادر طاقة متعددة، مناخ سياسي وأمني غير مستقر ومناسب للسحب منه، فعلى سبيل المثال تٌقدر هيئة المسح الجيولوجية أن إفريقيا لديها 487.7 تريليون قدم مكعبة من احتياطي الغاز أي نسبة 7.1% من الاحتياطي العالمي.
عطفاً على ما يقارب نسبة 7.5% من الاحتياطي العالمي من النفط، كما تُمثل احتياطيات اليورانيوم في أنحاء إفريقيا حوالي 888 ألف طن أي نسبة 35% من اليورانيوم في العالم، كما تتركز نسبة كبيرة من البوكسايت، أيضاً تملك نسبة 90% من إجمالي المعروض العالمي من البلاتين والكوبالت، وثلثي المنجنيز العالمي، إلى جانب الفحم والكولتان والماس، وغيرها من الموارد.
تناست الصين كغيرها من الدول العظمى أن ما يسحبون منه هو حق الشعوب الإفريقية الحالية و القادمة، التي تطمح أن تعيش في سلام واستقرار، فمن أجل مصلحتهم ومصلحة شعوبهم تناسوا مصالح وحقوق الشعوب الأخرى.
توغلت الصين في الدول الإفريقية معتمدة على الدعم الاقتصادي وكونها بلا إرث استعماري في إفريقيا، فمنذ أواخر القرن الماضي، أظهرت الصين رغبةً كبيرةً في التعاون مع إفريقيا، وعملت على تقوية علاقاتها بالقادة الأفارقة، وتوسيع مشاريعها الاستثمارية بهدف دعم العلاقات الثنائية المتبادلة.
فقد أظهر التقرير السنوي للعلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين وإفريقيا الصادر، في 25 سبتمبر 2021، أن قيمة التجارة الثنائية بلغت 187 مليار دولار في عام 2020، على الرغم من الصعوبات التي فرضتها جائحة فيروس كورونا، لتحافظ بالتالي الصين على ريادتها كأفضل شريك تجاري لإفريقيا، وذلك على امتداد 12 سنة متتالية.
كما كشف التقرير ذاته أن حجم التجارة البينية، بين الصين وإفريقيا سجل نمواً قوياً في الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي بنسبة 40.5% ليصل إلى 139 مليار دولار.
كما أن 90% من صادرات الدول الإفريقية إلى الصين تشمل فقط النفط والمعادن والغاز وتحصل عليها الصين من بعض الدول الإفريقيةالتي تملكها، كنيجيريا والجزائر والكونغو وغيرها، إضافة إلى نصف ثروات إفريقيا الباطنية، ظهرت استراتيجية جديدة تسلكها الصين، والتي تكمن في شراء أراضٍ زراعية شاسعة في دول أفريقية بهدف استثمارها لإطعام سكانها الذين سيتجاوزون 1.5 مليار شخص بحلول عام 2025، متناسية تماماً أن حق الشعوب الإفريقية والأجيال القادمة في الطعام هو نفس حق شعبها.
لم تكتفِ الصين عند هذا القدر فغزت إفريقيا بقروضها السخية، ووصل إجمالي الديون التي منحتها الصين في عموم العالم في الفترة من عام 2000 الى 2017 نحو 843 مليار دولار 136مليار منها ديون إفريقية.
فقد أضحت اكتر من 23 دولة إفريقية مدينة للصين بأكثر من 10% من ناتجها المحلي، وقد بلغت النسبة شكلاً أسوأ من ذلك في كل من غينيا الاستوائية وأنغولا التي أصبحت مديونيتها للصين تتجاوز حاجز الـ50% من الناتج المحلي الإجمالي.
لا يهم الصين ما هو حال حقوق الإنسان أو شكل النظام السياسي في الدول التي تقرضها أو تتبادل التجارة معها مدعية أنه شأن داخلي، فقد نجد الصين مثلاً تدعم دولاً تصنف على أنها دول تنتهك حقوق الإنسان كإثيوبيا التي أشعلت حرباً ضد أحد اقاليمها التيغراي وارتكبت جرائم ترتقى لكونها حرب.
فنجد الصين قد مولت إنشاء سكة حديد تبلغ قيمته 475 مليون دولار في العاصمة والطريق الدائري بقيمة 86 مليون دولار، وقامت ببناء خط سكة حديد إثيوبيا ـ جيبوتي الذي يبلغ طوله 750 كيلومتراً بتكلفة 3.4 مليار دولار، والذي تم افتتاحه في عام 2016م، وبلغت الديون الحكومية 59٪، تملك الصين حصة 50% منها.
ونظراً لعدم إمكانية السداد عقد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد مفاوضات مع الصين لإعادة هيكلة فترة سداد القروض من 10 إلى 30 عاماً.
اجمالاً، إن سياسات الدول العظمى مجتمعة ومنها الصين تتعامل مع إفريقيا من منظور واحد، هناك قارة كبيرة تحتاج إلى أموال من أي مكان، يُمزق شعوبها بعضهم بعضاً في صراعات وتناحرات طويلة، وقد تكون هذه الدول متورطة في إشعالها أيضاً، ونتيجة تلك الحروب تحتاج القارة أيضاً إلى بنية تحتية ضخمة، يمكن أن توفرها البلدان نفسها كالصين، لكن في مقابل قدر من الولاء، وآخر أكبر من الطاقة والموارد التي تواصل القوى العظمى بمختلف أشكالها، استنزافها من القارة السمراء في دائرة مُفرغة بلا نهاية.
كل هذا على حساب حقوق الشعوب الإفريقية التي تنهب من داخلها ومن خارجها بلا رحمة.